الاثنين، 11 يونيو 2012

أم درمان بين الأصالة والمعاصرة

كثيرا ما تنتابني رغبة ملحة في الكتابة عن سوق أم درمان ذاك السوق العريق والممتد من شارع كرري شرقا وحتى شارع الشنقيطي غربا ومن حي المسالمة شمالا وحتي ميدان البوستة جنوبا ،، كان السوق في ستينات القرن الماضي يتكون من زنكي اللحمة وزنكي الطواقي وسوق الشمس ويصطف في وسط السوق مجموعة من محلات البهارات ( التشاشة ) بقيادة شيخهم ( احمد عمر الموت ) وكان أكثر ما يميز سوق التشاشة روائح البهارات التي تزكم الأنوف خصوصا اذا رغب أحدهم في غربلة بعض البهارات كالشطة والفلفل فتجد السوق وقتها في حالة طوارئ لا تشابهها إلا رائحة أنابيب غاز الكلور المتسرب في سوق ليبيا مؤخرا ،، نوبة من العطاس تعم مرتادي السوق ،، في الناحية الجنوبية من التشاشة تجد سوق اللحمة والجزء الغربي من السوق كان متخصصا في بيع الكمونية والكرشة وأم فتفت وما بين السوقين تجد بائعي الفسيخ والنخاع ( الطايوق ) أما في الجزء الشمالي الغربي من السوق فتجد أن هنالك سوقا من نوع غريب متخصص في بيع الدواجن والأسماك والديوك الرومية والآرانب وكان مرتادي هذا السوق نوعية معينة من المواطنين والنازحين المستقرين في أم درمان من زمن أميد.


ندلف قليلا لزنك الطواقي وتجد النسوة وجلهن من كبار السن وقد اصطفن في صفوف متوازية وكل يبالغ في عرض منتجاته من الطواقي إبرة لولي والسكسونيا والمناديل المطرزة وطواقي الحرير الأحمر والأبيض ،، كن يعرضن بضائعهن وينشغلن في تصنيع منتجاتهن في نفس الوقت . أما سوق الشمس فكان عبارة عن مجاميع من الباعة المتجولين والذين يفترشون الأرض عارضين بضائعهم التي كانت اغلبها من الملبوسات الجاهزة ( تفصيل سوقي ) والأواني المنزلية المصنع من البلاستيك والطلس والالمونيوم ومن أشهر بائعي الملابس الجاهزة العراريق والسراويل عمنا بركات ( كساي العرايا ) ، كانت في منتصف سوق الشمس قد اصطفت بعض المحلات ( الطبالي ) وهي عبارة عن دكاكين مبنية من الزنكي والأبلكاش وكانت متخصصة في بيع الثياب ( فوال سر الجمال ) والكرب 2X2 والقماش التفتا واللامبرك , كانت هناك مشكلة للباعة المتجولين في مكان تخزين بضائعهم بالليل فكان بعض منهم بخزن بضاعته عند أي من التجار الكبار ( أصحاب الدكاكين ) اذ كانت تربطه بذلك التاجر علاقة صداقة أو دم أو نسب أما خلاف ذلك فقد اعدت ادارة السوق حينها بعض المخازن وتسمي ( بالخنادق ) كانوا يستأجرونها من البلدية بالشهر ويقومون بأستخراج بضائعهم منها صبيحة اليوم التالي .
في منطقة وسط السوق كان ينتشر بعض الباعة المشهورين من اصحاب السمك المقلي وكانوا يضعونة في آنية كبيرة ( طشت ) ويغطونه بقطعة من القماش وكانت هنالك بعض المقاهي المشهورة حينها مثل قهوة الفحل وهي عبارة عن مطعم ومقهي في آن واحد وكان يساعده في العمل فيها أبنه نصر الدين وكان من أشهر جرسونات تلك الحقبة ( أبسبلة ) وهو رجل قصير القامة من أهل الشمال أستقر به المقام في تلك القهوة الصغيرة ، وكان عم الطيب من الناحية الشمالية من السوق مقابل اسواق أبومرين يتميز بصناعة شاي مفتخر أما من أشهر المطاعم وقتها مطعم صبير وكان يتمير بأن يقدم أطباق في منتهي الروعة من ناحية الطبخ ( شريفة وسرينة ونوار )  وتقديم التحلية المتميزة بعد الأكل  ( سلطان وهو عبارة عن أرز مع الكاسترد ) .


في سوق أم درمان تشتهر صناعة الأناتيك والمنحوتات من سن الفيل والأبنوس وتحتل موقعا كبيرا في السوق ويرتادها عدد كبير من الأجانب أما الصاغة فلهم شارع بإسمهم ومن أشهر الصاغة في ام درمان آل تبيدي وآل مله وآل مسيك وعوض مكي , ويقع سوق العناقريب في الناحية الغربية للسوق كما أن هناك سوق للسروج والسيوف وخلافه .


من أشهر الأسماء التجار في السوق محمد أحمد عباس ، خلف الله يوسف ، الحاج نقد الله علي ، الحاج أبوورقة ، سليمان صالح خضر ، العدني ، عبدالله شلقامي ، عباس رشوان ،أزمير سركسيان ( من الأرمن المقيمين في السودان ) ، الطوخي ، يوسف الفكي ، الحضري .


لا يفوتني أن أذكر أن مبني البوستة كان المباني التي بناها الأنجليز وكان يلتف حول البوستة من كل الجوانب مكتبات مليئة بكافة أنواع وصنوف الكتب تشابه في كثرتها واكتظاظها سور الأزبكية في القاهرة وكان يرتادها كثير من أدباء ذلك العصر .


هناك تعليق واحد: