أعز عزيز
المشهد الأول:-
في رحلة تجوال وسط هذه المدينة العجوز ، وبين أزقتها الضيقة المتسخة ،، وعلى جانب الطريق إتكأ مقهى عتيق ،، الإضاءة خافتة وصوت مذياع أكل الدهر عليه ولم يشرب . أنطلق صوته الدافئ ( كنت معاك سعيد سعيـــــــد سعيــــــــــــــــد) ولا يقطع تلك السعادة المتمددة إلا صوت النادل وهو يقدم الشاي لزبائن ذلك المقهى ،،، جلس ذاك العجوز ذو الشعر المرسل الأبيض وثوب بالي إلا أنه ينبئ عن أناقة قديمة تضاهي أحسن ما تقدمه بيوتات الأناقة وكرستيان ديور،،،، جلس أمام ذاك المذياع وأخذ يمط شفتيه في امتعاض وأسف شديدين كيف لا وقد رحل النغم الحاني ،،، دمعة حزينة قد تحجرت في آماقه وصوت مهزوز يردد مع المغني ( أصبر يمكن يفيد... يفيـــــــــــــد ) كيف لا نصبر وقد كان الفقد جلل والمصاب في قامة ( طاغور السودان ) .
المشهد الثاني :-
في حارة من حارات أمدرمان العجوز ، كانت تجلس في كرسي وقد أسندت ظهرها المتعب على الكرسي غير المريح و راحت تتأمل في الأنجم البعيدة وتسرح بخاطرتها إلى ذاك الغائب الذي طالت ليالي بعاده ،،، ترى هل غيره الزمن أم هي ضغوط الحياة عليه مما حتم عليه أن يطيل بعاده بالسنوات ،،، لا زالت تسرح بخاطرتها وعيونها شاخصة إلى السماء و صوت أطالها الصغار يتنأي عن مسمعها وهم يلهون ويلعبون ،،، هل تري أن الذي كان بيننا قد أندثر و طار أدراج الرياح .... هل عامل السن يؤثر في تلك المشاعر الجياشة التي كانت حديث كل من عرفهما .... ثلاثون عام من زواجهما وعشرون عام من اغترابه المقيت والذي لا تقطعه إلا شهر أو شهران كل عامين كاملين من الغياب شبه التام ،،، هل ترى قد خبت جذوة حبهما الملتهب بمر الأيام والسنون العجاف ،،، يقطع ذاك الصمت المتأمل صوت مذياع من الجوار وصوت حاني وكأنه آت في تلك اللحظة ليخفف من لواعجها ويطفئ بعض من الشجن المالح الذي يسد خياشيمها ( ليه تقول لي انتهينا ... ونحن يادوبنا إبتدينا ...) تنهض وقد عادت الحياة تدب في خافقها وهي تردد خلف المغني ( نحن في عز الشباب)
الطيب مدني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق